شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
إثبات صفة السمع لله تعالى
ذكر السمع بقوله:
وسـامع للجـهـر والإخفـــات | بسمعــه الـواسـع للأصــوات |
فالله -سبحانه وتعالى- يسمع الجهر، والإخفات، ولا يخفى عليه شيء، وسمعه وسع الأصوات كلها، من آثار سمعه -تعالى- أنه يسمع كل الأصوات، ولا تشتبه عليه اللغات، ولا تغلطه كثرة المسائل، مع اختلاف اللغات، وتفنن المسئولات، فيعطي كلا سؤله، ولا يشغله سمع عن سمع.
أنكر المعتزلة صفة السمع، والبصر وقالوا: إن الإنسان يسمع ويبصر فإذا وصفنا الله -تعالى- بأنه يسمع، ويبصر؛ كان ذلك تشبيها بالمخلوقات، وينافي قوله: رسم> لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قرآن> رسم> فالجواب أن نقول: إننا نثبت السمع والبصر، وننزه الله -تعالى- عن مشابهة المخلوق في شيء من ذلك، فبين سمعه وبصره فرق كبير .. بينه وبين سمع المخلوق، فالمخلوق لا يبصر ما وراء الجدار أو الساتر، الله -تعالى- لا يستر بصره حجاب، بصره يرى كل شيء ولو كان دونه المخلوقات، ونحوها، فلا يستر بصره شيء، بخلاف المخلوق فإنه لا يبصر إلا ما كان مقابلا له، كذلك أيضا المخلوق سمعه محدود، إنما يسمع القريب ولا يسمع البعيد، المخلوق أيضا لا يسمع صوتين في وقت واحد ويميز بينهما؛ بل الأصل أنه إنما يسمع صوتا واحدا، ويخفى عليه الصوت الثاني فلا بد أن يستفسر.
الرب -سبحانه وتعالى- لا تشتبه عليه الأصوات، يسمع الصوت ولو كانوا ألوف الألوف في وقت واحد؛ ولأجل ذلك يؤمر الإنسان المسلم بأن يُسر دعاءه ويعتقد أن الله يسمعه، قال تعالى: رسم> ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً قرآن> رسم> يعني خفاء وقال عن زكريا اسم> .
بالسمع بسمع الله تعالى لكل شيء، المراقبة أيضا وهو أن من آمن بأن الله يسمعه ولو كان كلامه خفيا تثبت ولم يتكلم إلا بما فيه فائدة، ولم يتكلم بسوء؛ وبذلك يكون كلامه في طاعة الله تعالى، يعلم أن الله يسمعه، وأنه يحاسبه على هذا الكلام السيئ؛ فهذه هي الفائدة.
فالذين لا يستحضرون أن الله تعالى يسمع كلامهم قد يتكلمون بقدح وبعيب وببهتان وبكذب، ويتكلمون بزور وبفجور، ويتكلمون بسخرية واستهزاء، ولا يستحضرون أن الله تعالى يسمعهم، ولو استحضروا سمع الله تعالى لهم؛ لتحاشوا مثل هذا الكلام.
مسألة>