اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
81450 مشاهدة
إثبات صفة السمع لله تعالى

ذكر السمع بقوله:
وسـامع للجـهـر والإخفـــات
بسمعــه الـواسـع للأصــوات
يعني: أنه يسمع الجهر والإخفات، الإخفات: هو الكلام الخفي، يقول الله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى يعلم السر وأخفى من السر، يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى يعلم الجهر من القول يعني يسمعه، وما يخفى من الكلام الخفي أيضا يسمعه، فقد وسع سمعه الأصوات جهرها، وخفيها، فهو يسمع كل حركة ولو كانت خفيفة، فلا يخفى عليه أية كلمة، وأية حركة إلا يعلمها، وإلا يسمعها، روي عن عائشة قالت: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة وإني في طرف الحجرة يخفى علي بعض كلامها؛ تجادل في زوجها، أنزل الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا فأخبر تعالى بأنه سمع صوتها وشكايتها، عائشة إلى جنبها أو قريب منها يخفى عليها كلامها أو بعضه.
فالله -سبحانه وتعالى- يسمع الجهر، والإخفات، ولا يخفى عليه شيء، وسمعه وسع الأصوات كلها، من آثار سمعه -تعالى- أنه يسمع كل الأصوات، ولا تشتبه عليه اللغات، ولا تغلطه كثرة المسائل، مع اختلاف اللغات، وتفنن المسئولات، فيعطي كلا سؤله، ولا يشغله سمع عن سمع.
أنكر المعتزلة صفة السمع، والبصر وقالوا: إن الإنسان يسمع ويبصر فإذا وصفنا الله -تعالى- بأنه يسمع، ويبصر؛ كان ذلك تشبيها بالمخلوقات، وينافي قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فالجواب أن نقول: إننا نثبت السمع والبصر، وننزه الله -تعالى- عن مشابهة المخلوق في شيء من ذلك، فبين سمعه وبصره فرق كبير .. بينه وبين سمع المخلوق، فالمخلوق لا يبصر ما وراء الجدار أو الساتر، الله -تعالى- لا يستر بصره حجاب، بصره يرى كل شيء ولو كان دونه المخلوقات، ونحوها، فلا يستر بصره شيء، بخلاف المخلوق فإنه لا يبصر إلا ما كان مقابلا له، كذلك أيضا المخلوق سمعه محدود، إنما يسمع القريب ولا يسمع البعيد، المخلوق أيضا لا يسمع صوتين في وقت واحد ويميز بينهما؛ بل الأصل أنه إنما يسمع صوتا واحدا، ويخفى عليه الصوت الثاني فلا بد أن يستفسر.
الرب -سبحانه وتعالى- لا تشتبه عليه الأصوات، يسمع الصوت ولو كانوا ألوف الألوف في وقت واحد؛ ولأجل ذلك يؤمر الإنسان المسلم بأن يُسر دعاءه ويعتقد أن الله يسمعه، قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً يعني خفاء وقال عن زكريا .
بالسمع بسمع الله تعالى لكل شيء، المراقبة أيضا وهو أن من آمن بأن الله يسمعه ولو كان كلامه خفيا تثبت ولم يتكلم إلا بما فيه فائدة، ولم يتكلم بسوء؛ وبذلك يكون كلامه في طاعة الله تعالى، يعلم أن الله يسمعه، وأنه يحاسبه على هذا الكلام السيئ؛ فهذه هي الفائدة.
فالذين لا يستحضرون أن الله تعالى يسمع كلامهم قد يتكلمون بقدح وبعيب وببهتان وبكذب، ويتكلمون بزور وبفجور، ويتكلمون بسخرية واستهزاء، ولا يستحضرون أن الله تعالى يسمعهم، ولو استحضروا سمع الله تعالى لهم؛ لتحاشوا مثل هذا الكلام.